جاري تحميل ... الأهرام نيوز

رئيس التحرير: محمد عبدالعظيم عليوة

مدير التحرير: د.مجدي مرعي

رئيس التحرير التنفيذي: عبدالحليم محمد

نائب رئيس التحرير: د.الحسن العزاوي

أخبار عاجلة

إعلان في أعلي التدوينة

مقالات

نسرين حلس تكتب : في زمن الفيسبوك.. هل حان وقت الرحيل

نسرين حلس

الفيسبوك محطة لايمكن تجاهلها في حياتنا، توقفنا جميعنا أمامها لفترة طويلة ولازلنا عالقين في براثنها، لا نقوى المبارحة وكأن قطار الحياة تعطل في تلك المحطة، فتوقف إلى ماشاء الله، المحطة التي ألتقى فيها كل العالم بعضه ببعض في تشوق غريب واندفاع غير مفهوم بدون خوف أو خجل، انطلاق  لا تحده حدود، تجاوز فيها كل المدي والصدود، بل وتعدى كل الأعراف والقيم والتعاليم التي نشأنا عليها، اندفاع غير مقنن  بالقلوب والعقول والحواس شدهم إلى ذلك الفضول والسهولة في الوصول للبعيد حيث الغامض المجهول. أيا كان بلا خوف من المجهول ولا من الغرباء الذين يمثلون ذلك المجهول وذلك أن الفضاء الإفتراضي الواسع الرحب فتح لهم كل ذلك بيسر وبدون أي قيود.  وكأن الغريزة الإنسانيه المتواجدة فينا كبشر ورائحة الإنسان للإنسان هي التي حركت تلك القطعان البشرية المهولة نحو بعضها البعض ، فما أن توقف القطار وفتح الباب  حتى ترجل كل راكبيه، واحد يسابق الأخر، راكضا نحو الآخرين فأضحت بذلك كل المسافات متساويه بين البشر وغدا منفي  الشرق أقرب لمن في الغرب وأضحينا كمجموعة كبيرة تعيش في كون صغير تفصلنا الحدود الأرضية لكننا في الفضاءات  جماعة واحدة متناثرين بطريقة غريبة عجيبة، نتطاير متعانقين

 محطة غريبة مريبة  تلك التي جمعتنا كبشر وكأن قدرا رسم لنا كان علي موعد معنا جميعا في آن واحد، دخلنا جميعنا  بقلوبنا المملوءة شوقا وفضولا لوجوها جديدة كثيرة، دخلت تدريجيا لحياتنا مع الوقت حتى أدمناها  فأصبحت جزءا منا ، وأضحى لنا أصدقاء نحسب حساب وجودم وغيابهم. كأننا ضمنا وجودهم معنا، أضحى الجميع سعيد بما لديه وإن غاب عنهم افتقدوه وإن غابوا عنه افتقدهم  ولكن في خضم ذلك تناسينا أننا لا نتعامل مع وجوه حقيقية ولا قلوب وعقول حقيقية بل مع صورة في بروفايل وأصابع بشرية تتحرك على الكبيبورد تكتب مشاعرها بإتقان لا تحكيها. وأصبحنا نرى صورا لوجوه لا جوه حقيقية، بل وعندما نرى الوجوه فنراها من خلف بلورة مرسومة بإتقان وليست على الطبيعة

 أجمل ما في تلك المحطة  قد يكون أسوء ما فيها تلك الوجوة التي نلتقيهاا وتبني جسورا معها من العلاقات المختلفة المبنية على أنواع منوعة من  المصالح  ومع ذلك لا نعرف عنها شيئا إلا ما يعرض على الصفحات ونقرأ كل ما يجول في خاطرهم مما يعرضونه على صفحاتهم  التي نلتقي بها نتحدث معهم  منهم من يتحدث بعفويته ومنهم من يحيط نفسه بغلاف من الألوان الجميلة البراقة كي تجذب القادم لها……كل له هدف يسعى له، ما عليك إلا أن تنظر حولك وأنت تختلط بكل هذا الكم الهائل من الناس لكي تعرف أن لكل شخص ضالة يبحث عنها فهذا الذي يريد التعارف من أجل التعارف وهذا الذي يريد أن يعمل وهذا الذي يريد أن يسوق للبزنس الخاص به، وذلك الذي يريد الزواج وتلك التي تبحث عن اللهو وأخرى عن الحب. عالم كبير مضمونه يرسم حالنا في تلك الحياة وكأنك داخل قصة تارة أنت متفرج وتارة أنت بطل من أبطال أصحاب القصص

لم يعد الفيسبوك مقتصرا فقط على فئة عمريه محدده. بل أصبح الجميع غارق فيه حتى أذنيه الصغير والكبير، الرجل والمرأة، تتنوع فيه الصفحات والمواضيع، كل التوجهات السساسية أصبحت تحتكر جزءا كبيرا من الصفحات وتديرها لجان إلكترونيه كامله يتم من خلالها استقطاب الأفراد وبث الأفكار المراد الترويج لها وذلك لتوجيه أدمغتهم للفكر المراد نشره وتثبيته في عقول الناس والعبث بأفكارهم .وأنتشرت صفحات الأدب والشعر والفن،  صفحات للطفولة، صفحات للطبخ ، عالم كبيركل يبحث فيه عن ضالته المنشودة

وربما من أجمل ما فعله الفيسبوك أنه أتاح لكل الأصدقاء البعيدين بالتقارب والتلاقي المرئي بل وأكثر من ذلك آنه أتاح للجميع فرصة العثور على الأصدقاء القدامى وأضحينا نسمع بقصص الحب القديمة التي أخذت تعتلي الصفحات وقد استطاعت  أن تحول بعض المحبين إلى أصدقاء بعض أن مضى زمن كبير من الفراق وأضحى لكل منهم حياته الخاصة. لقد أثبت الفيسبوك أن الحب بمقدوره أن يتحول في يعض الأحيان إلى صداقة فيما لو توفرت كل العناصر التي تجعل من الطرفين أصدقاء فلاا حب يدوم ولا صداقة تدوم ولا عداوه أيضا تدوم فكل محبين الأمس ربما هم اليوم أصدقاء، وأصدقاء اليوم كثيرا ما يختلفون فيما بينهم لينتهي الأمر ” بالحظر” “ بلوك ” سريع وأعداء الغد تتصافى بينهم النفوس فيما لو توفرت المصالح…إذن الفيسبوك كان عنصرا مؤكدا أنه لا شئ يدوم

أصبح اليوم لكل فرد في هذا العالم صفحة خاصة به يعبر بها عما يجول في خاطره يكتب أفكاره ، ساعات فرحه، ساعات ترحه ، تأتي على شكل خاطرات، وما عليك إلا أن تدخل صفحة من تريد لكي تعرف اهتماماته طريقة تفكيره آراءه السياسية توجاته الفكرية والدينية    رؤية منشوراته المضحكة التي قد تضحكك أنت أيضا، المناسبات الخاصة والصور والأكلات، وساعات النوم والإستيقاظ،  ، يعنى باختصار زصبح الفيسبوك ملاذ الناس الكلي  وإدمان كلي بعد أن سيطر على العقل والجسد. تمام كالمخدرات عند الكثيرين إن لم يكن ذلك لدى  السواد الأعظم. لا تمر دقيقة بدون النظر إليه والتعليق هنا أو هناك أصبحت وجوهنا تنظر إليه وترقبه أكثر من مراقبتنا لتصرفاتنا ومن حولنا وأصبح جلوسنا مع من هم حولنا أقل بكثير من جلوسنا عليه وبدون ملل. بل أصبح يعطينا إحساسا بعدم الفراغ وأصبح كثير من الناس ينشدون العزلة معه وهم لا يسشعرون بذلك كونهم محاطين بأصدقائهم الفيسبوكيين والذين لا يعرفون عنهم إلا ما يكتب لهم أو ما يتحدثون به من خلف شاشة فهل هذا حقيقة؟

معرفة الحقيقة ليست من السهولة …فالبقاء خلف الشاشة طوال الوقت لن يجعلك تعرف حقيقة من تتعامل معهم ولا واقعهم، فالعالم الإفتراضي جميل مملوء بالوعود والمثاليات والألوان الوردية البراقة وقصص الحب الخيالية والفرسان والقادة والهتيفة والشعراء  والمناضلين والمظلومين،كل له غايته ومطلبه  لكن الحقيقة فقط تبقى على أرض الواقع وليست دائما على أرض الفيسبوك، ومع ذلك لا  يمكن أن نقول أن كل ما على الفيسبوك هو وهمي لأنه بالتأكيد هناك أشياء حقيقية جميلة. كما أن هناك قصص حب توجت بالزواج وعلاقات اجتماعية وشركات نجحت لصدق أصحاب تلك العلاقات وكم من صداقات بقيت واستمرت وقصص حب مضت وانتهت أضحى أصحابها أصدقاء  وذلك كله يعود لصدق النوايا والفرزالجيد والذكاء والحكمة في التعامل مع من يستحق وكم من الخيبات حصلت بسبب التحذلق والفهلوه والتذاكي والإستغلال وعدم صدق نوايا أصحاب تلك العلاقات أيا كان نوعها والتسلط والتكبر فلابد أن تكتب سطور النهاية ……وهذا هو حالنا في زمن الفيسبوك

وكنت أنا من بين كل تلك  الجموع الغفيرة التي انطلقت في تلك المحطة وعلقت كما علق غيري من الناس. توقفت  وانا أتوه بوجهي نحو الجمع الغفير…أحمل في جعبتي كل أمالي، أفكاري وتوجهاتي الفكرية……متنقلة أجلس في كل مكان قليلا ..أستمع لتك الصبية وأستمع لذلك الكبير ….أراقب ذلك الشاب فيما يفعل ويقول ……وأتحدث مع تلك السيدة….أنظر من البعيد لكل ما يحدث…أرى غيري وهو يكتب أفكاره وبت كغيري أكتب افكاري …. تارة أقترب وتارة ابتعد في عالم ملى بالإثارة والفضول،  كم من الدموع رأيت وكم من ضحكات رسمت على الصفحات رأيت. ، تأثرت نعم تأثرت!! ..فكم حزنت وكم فرحت وكم من النجوات سمعت. تفاعات مع الجميع دخلت قصصهم وتربعت، جلست معهم سمعتهم وكم أبحرت داخلهم وهم لا يعرفون، وكأني توغلت في نفوسهم بكل حب فتحت الباب بهدوء ودخلت لعقولهم وأنا اتقصد ذلك وقرأت أفكارهم ناقشتهم كنت أصمت تارة وأناقش تارة أخرى

ثم بهدوء أرحل تاركة خلفي باب موصد على أسرار أصحابه

فريدة تلك التجربة غيرتني؟ نعم تغيرت …. منحتنى تلك التجربة  القدرة على الإستماع الطويل، والصبر على الأخرين، في تلك المحطة تعلمت أن الحكم على الأخرين من البعيد ظلم. وأننا كبشر مختلفين فلا نحكم على مختلف معنا بأنه الأقل أو الأسوء.  بين، كلنا لنا واقع مختلف عن الأخر وكلنا على الرغم من كل الخيارات التي تكون أمامنا إلا أننا في  النهاية نمشي لأقدارنا. في تلك التجربة علمت أن الحب الإفتراضي قد يكون كذبة وقد يكون صدقا لكن الواقع الأرضي هو الفيصل والحكم  فكم هي العيون التي بكت وكم تعذب أصحابها وفي النهاية كتب القدر كلمته.

في نهاية المطاف علقت كما علق غيري في تلك المحطة التي لازلت لا أستطيع أن أبرحها. فقد طال الجلوس بحب ورغبهوجلست كغيري أنتظر قطار الرحيل و كنت كلما هممت بالرحيل أعود لأجلسمن جديد  ومع ذلك  ما زلت أنتظر فقد طال الجلوس في محطة باتت محببة للنفس  ويبدو أنه ما من رحيل.

كاتبة فلسطينية مقيمة في أوكلاهما

الوسوم:

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

إعلان في أسفل التدوينة

إتصل بنا

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *