جاري تحميل ... الأهرام نيوز

رئيس التحرير: محمد عبدالعظيم عليوة

مدير التحرير: د.مجدي مرعي

رئيس التحرير التنفيذي: عبدالحليم محمد

نائب رئيس التحرير: د.الحسن العزاوي

أخبار عاجلة

إعلان في أعلي التدوينة

مقالات

المستشار سامح عبدالله يكتب : فقاعات الهواء عندما تملأ فراغ الشعوب!

فنجان قهوة
ربما كانت أخطر الأوقات التى تمر بها الشعوب هى أوقات "الفراغ العقلى" لا سيما عندما تكون هذه الشعوب فى مواجهة تحديات كبيرة تقتضى أن تشحذ قواها وانعاش ذاكرتها لكى تجتازها وعندما يحدث العكس تصير أمام انتكاسة حقيقية لا تستطيع أن تتجاوزها فتقبع عند منحدر من التخلف الثقافى والفكرى ينل كل مناحى الحياة بل والآخرة أيضًا وهنا يكون الانحدار قد وصل إلى القاع.

ومن يتتبع ظاهرة الفراغ العقلى هذه يرى أنها غالبًا ما ترتبط بالغيبيات وذلك عندما يجد الشخص فيها مساحة رحبة يسبح فيها بعقله إلى عالم غير مرئى واضعًا فى بؤرة اهتمامه قضايا هى أبعد ما تكون فى مرحلة معينة عن أولوياته وتحدياته.

ولأن الحديث فى الغيبيات وعنها يكون فضفاضًا وقليل من النصوص القطعية تحكمه فإن مساحته تصير بلا حدود وبلا رابط وأحيان كثيرة بلا عقل وغالبًا ما تعقبه مرحلة ثانية هى مرحلة التطبيق أو بناء النتائج على ما تم استخلاصه من مقدمات أو فرضيات.

على سبيل المثال يأتى حديث الجنة والنار ليعطينا نموذجًا حيًا على ما نقول.
أعلم أن هناك نصوصًا قطعية الدلالة تتحدث عن كلاهما وتتحدث أيضًا عن من يفوز بالنعيم ومن يُعاقب بالجحيم وأعلم أن ذلك من دواعى الإيمان بالعقائد لكن لننتقل إلى مرحلة التطبيق العملى التى أشرت إليها والتى تكمن فى التصنيف الذى يستحوذ على جوهر الأمر ويستبدله إلى مجموعة من إشعارات تتضمن قائمة  بهؤلاء الذين فازوا بالجنة وهؤلاء الذين زُج بهم إلى الجحيم.

فى مرحلة تالية يتسع النقاش ويحتدم الجدل ويثور الخلاف وتضطرب الأقوال عن الجنة والنار عندما نصل إلى تصنيف العلماء الذين قدموا النفع العظيم إلى الإنسانية بين الفائزين بالنعيم منهم وبين أصحاب الجحيم طبقًا لعقائدنا، غاية الأمر أننا نتلطف بعض الشئ فى وصف الذين نزج بهم إلى الجحيم ونثنى عليهم ببضعة كلمات فحواها أنهم قدموا النفع للإنسانية فعلا لكن هذا كان للإنسان فهو مقبول عند الإنسان ولم يكن لله ومن ثم فهو غير مقبول من الله.
هكذا ببساطة نحسم الأمر ولا مانع من إبداء بعض الأسف وسواء كان حقيقيًا أو مزعومًا على مصير هؤلاء النبلاء الذين قدموا لنا مصل الدواء وأنقذوا البشرية من الفناء وهؤلاء الذين اخترعوا لنا كل ما نستخدمه فى حياتنا المعاصرة لأنهم لا خلاص فى الآخرة لهم.
هى حالة الفراغ العقلى إذن.

أكاد أجزم أننا تجد شعب صاحب قضية حقيقية فى تاريخه إلا وقد حلَّت هذه القضية بؤرة اهتمامه وجوانب قوته بما فيها ذاكرته.
لو أن الشعب الألمانى ناقش بعد احتلال برلين من قوات السوفييت وتدميرها بالكامل كيف أن اللعنة قد صُبت فوقهم نتيجة البعد عن الله والذى مكن الشيوعية من احتلالهم وتدمير مدنهم لما كانت الأنقاض قد رُفعت من شوارع برلين حتى اليوم.
ولو أن الشعب الهندى قد انساق وراء صراع عقائدى بين طوائفه إبان الاحتلال البريطانى لما استطاع مائة زعيم مثل "غاندى" أن يقاوم بتلك المسالمة التى ابتدعها وأبهرت العالم وما استطاع أن ينتصر.

ولو أن حرب "الثلاثين عامًا" التى اندلعت فى وسط أوربا عند بدايات القرن السابع عشر الميلادى كحرب طائفية بين الكاثوليك والبروتيستانت لم تخمد ما رأينا حتى الآن  شئًا اسمه أوربا الموحدة.
ولو أننا وقفنا فى مصر عقب نكسة ١٩٦٧ عند الرأى الذى قال أننا انهزمنا بسلاح ملحد ما كنا قد عبرنا قناة السويس ذلك لأن السلاح ليس له دين.

إذن نعود إلى نقطة البدء أن الفراغ العقلى هو الذى يصنع لنا هذا الوهم المسمى بقضايا حتى ولو تعلقت بمصير الإنسان بعد الموت والحساب.
ويقدم لنا حالة غياب وعى بواسطتها يتم إطواء كل فكرة حقيقية فى مقابل إحياء فكرة خيالية من نسخ الخيال أو فى قوة صمود الأبخرة المتصاعدة فى مواجهة التلاشى.

انظروا ماذا يجرى حولنا حتى تكتمل الصورة أكثر وأكثر.
هذا شيخ يكفر عالم مسيحى وهذا كاهن يكفر عالم مسلم.
وهذا تناحر بين من يرى الجنة حِكرًا له وبين هؤلاء الذين يرونها أنها حق بنى الإنسان.
وهذا نقاش بين من يوهموننا بالتسامح الظاهرى بينما يضمر كل فريق كيف أنه استأثر بالجنة.

هذه هى الصورة الحقيقة بلا رتوش.
الدين الذى وُجد كأكبر معجزة محفزة للإنسان أصبح بفعل الفهم الخاطئ لرجال دين هذا العصر قيد يحول بيننا وبين التقدم والرقى وبالإنسان الذى هو غاية هذه الحياة.

النقاشات التى كان من الممكن أن تأخذنا إلى عوالم الإبداع أضحت عبارة عن تشاحن بين رجال الدين وكأننا نعيد نسخة العصور الوسطى بكل ظلامها.
إنها العلاقة الوطيدة بين الفراغ والوهم.
الفراغ العقلى الذى يصنع لنا ما يشبه الحمل الكاذب والوهم فى أننا نستطيع أن نصنع من هذا الحمل مستقبل واضح المعالم.

فى كل مراحل التاريخ كان الفراغ العقلى هو القاتل وكانت نهضة الأمم رهن بالقضاء على هذا الوحش المميت.
فى كل مراحل التاريخ كان العلم المرصع بالخلق هو سبيل تقدم الأمم واستمرار تفوق الحضارات.
إن الشعوب التى تتخلف هى فى الحقيقة الشعوب التى تقف فى مواجهة حركة التاريخ ..هى الشعوب التى تتحول نحو عصر صكوك الغفران .. هى الشعوب التى تبسط الحقائق وتطمس حتمية التفكير ..هى الشعوب التى تملأ فراغ عقولها بفقاعات الهواء..!
الوسوم:

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

إعلان في أسفل التدوينة

إتصل بنا

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *