جاري تحميل ... الأهرام نيوز

رئيس التحرير: محمد عبدالعظيم عليوة

مدير التحرير: د.مجدي مرعي

رئيس التحرير التنفيذي: عبدالحليم محمد

نائب رئيس التحرير: د.الحسن العزاوي

أخبار عاجلة

إعلان في أعلي التدوينة

مقالات

المستشار سامح عبد الله يكتب إعادة تفسير النص الدينى




الأولى: " شهادة المرأة"


( تقديم)


تعد دعوات تجديد الخطاب الدينى هى أكثر الدعوات التى تلح علينا فى تلك الآونة ويرجع ذلك إلى عدة أسباب من بينها هذا الكم الهائل من النصوص التى حان وقت أن يُنظر إليها بعين المراجعة لا بعين التقديس وربما كانت تحديات الواقع هى التى أمليت علينا تلك الضرورة التى يراها كثيرون حتمية.

إن جيلًا جديدًا قد ظهر لم يعد يستسيغ كل ما يُلقى على مسامعه دون مراجعة فكرية وأن حوادث كثيرة تلاحقنا جعلتنا فى مأزق تجاه كثير ما يُقدم لنا على أنه" مستقر عليه" بينما ثبت أنه لم يكن كذلك أبدًا وأن هذه العبارة البسيطة قد حملنتا فترة طويلة على أن نتعامل نصوص عدة بكثير من الخوف وكثير من الحذر.
كثير من الخوف لأننا نخشى أن نُنعت بالخارجين على الثوابت.
وكثير من الحذر لأننا مضطرون أن نخطو بتردد نحو إعادة طرح كل ما قِيل عنه أنه من أصول الدين.
وهنا صرنا أمام مأزق كبير لا نشعر بعمقه إلا عندما تضربنا الحداثة ويلاحقنا التطور بينما تُشحذ الأقلام ضد كل ما يحدثه عقله عن حتمية التغيير والتجديد.

انطلاقًا من هذا بدأنا نشعر بحتمية الانتصار على الخوف وحتمية التقدم إلى الأمام بخطوات ثابتة وليست بتلك الخطوات الحذرة القلقة التى ثبت أنها لا تقدم شيئًا لنهضة هذا المجتمع.
ومن هنا أيضًا طرأت لى عدة أفكار تغاير بعض الشئ الاتجاه السائر نحو تجديد الخطاب الدينى وهو اتجاه محمود فى كل الأحول إلا أننى أعرج هنا إلى اتجاه آخر نحو التفسير أو بالأحرى إعادة تفسير النص الدينى حتى يستطيع أن يواكب العصر بصورة عملية دون أن نكتفى بأن نصفه بأنه صالح لكل زمان ومكان بينما نحن فى الحقيقة ننفصل عن الزمان بعدما صنعنا بأيدينا هوة ساحقة بين النص وبين الزمن الذى نعيشه.

(التفسير .. تعريفه وجوهره)


والتفسير كما أورده الإمام السيوطي في (الإتقان في علوم القرآن)
"هو علم نزول الآيات وشؤونها، وقصصها، والأسباب النازلة فيها، ثم ترتيب مكيها ومدنيها، ومحكمها ومتشابهها، وناسخها ومنسوخها، وخاصها وعامها، ومطلقها ومقيدها، ومجملها ومفسرها، وحلالها وحرامها، ووعدها ووعيدها، وأمرها ونهيها، وعبرها وأمثالها"

وهو فى رأى فقهاء القانون الوضعى وكما عرفه الدكتور زكى أبو عامر: "عملية ذهنية تستهدف إدراك مضمون ونطاق القاعدة القانونية وهو بهذا المعنى مشكلة عامة تبرز عند نفسير كل قاعدة قانونية أيا كانت طبيعتها"

إذن يبدو أن جوهر التفسير هو الكشف عن مضمون النص ونطاقه والمعانى المكنونة بداخله والتى قد لا تبدو لنا من ظاهر الحروف والكلمات وهو ضرورة قصوى اقتضاها التطور السريع الذى يتجاوز المعنى الظاهر من النصوص هذا رغم اختلاف آليات التفسير بحسب النص وعما إذا كان نصًا دينيًا أم نصًا وضعيًا.
 والتفسير بهذا المعنى يختلف اختلافًا يكاد أن يكون كليًا عن التجديد أو التنقيح مما يعد محل مطالبة فى تلك الآونة والذى يعتمد فى المقام الأول على إعادة طرح مصداقية النص كله وجدوى بقائه.
وأعلم أن الأمر يدق حينما نطرق هذا الباب لاسيما عندما  يتعلق الأمر  بنص دينى ويبلغ ذروته عندما يكون هذا النص من القرآن الكريم باعتباره أن نصوصه قطعية الثبوت وإن لم تكن كلها قطعية الدلالة.

( شهادة المرأة والاعجاز العلمى)


بعد هذه المقدمة المقتضبة نأتى إلى جوهر الأمر وهو ما يتعلق بشهادة المرأة والتى تعارف عليها بأنها نصف شهادة الرجل.
فى الآية ٢٨٢ من سورة البقرة يقول الله عز وجل: " ..  وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ ۖ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَىٰ.."

وظاهر النص أن الشهادة المعتبرة هنا إما شهادة رجلين فإن لم يكونا فشهادة رجل وامرأتان.
مما يستفاد منه أن شهادة المرأة منفردة غير جائزة وإنما يجب أن تُعزز بشهادة رجل.
ترجع علة هذا الحكم أخذًا من ظاهر النص هو خشية ضلال المرأة إن انفردت بالشهادة.
 ولقد انبرى فريق يدافع عن هذا الحكم الشرعى الذى جاء به ظاهر النص مسترشدين بحديث رواه البخارى عن الخدري ومسلم عن ابن عمر ، واللفظ له أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ..ما رأيت من ناقصات عقل ودين أغلب لذي لب منكن، قالت امرأة: يا رسول الله، وما نقصان العقل والدين، قال: أما نقصان العقل فشهادة امرأتين تعدل شهادة رجل فهذا نقصان العقل، وتمكث الليالي ما تصلي وتفطر في رمضان فهذا نقصان الدين. وهي غير ملامة في هذا النقص لأنها غير قادرة على دفعه.
وسرعان ما خرجت علينا تفسيرات مقتضاها أن المرأة مخلوق ناقص الفكر ناقص الدين.

يقولون مثلًا:
أن ذاكرة المراة ليست ثابتة خلال العمر  فهى تنخفض بعد سن اليأس بشكل مفاجئ.. ولكن المرأة في منتصف العمر لها ذاكرة أفضل من الرجل ولكن بشكل يختلف عن الرجل.

بل والأكثر من ذلك أنهم ينسبون إلى مصادر مجهولة مثل جامعات وغيرها أنها أقرت تلك الحالة الخاصة للمرأة كحقيقة علمية.
فيقولون:
أن جامعة "بنسلفانيا" قامت بدراسة كبرى على ٩٤٩ دماغ رجل وامرأة.. ووجد الباحثون أن المرأة أفضل من الرجل في التفكير بمهام متعددة لأنها تستخدم كلا الجزأين من الدماغ.. أما القضايا التى تحتاج إلى تركيز على قضية واحدة فإن الرجل يتفوق على المرأة لأنه يستخدم جزءًا واحداً من الدماغ!
وأضافوا بأن العلماء في كلية الطب بجامعة بنسلفانيا كانوا مندهشين من نتائج هذه الدراسة ويقول الدكتور Ruben Gur : إن النتائج كانت صادمة عندما رأينا هذه الاختلافات المدهشة بين دماغ الذكر والأنثى، ولكنهما متكاملين! ولكن الشيء المهم أن النساء لديهن قدرة أعلى من الرجال على المهام الاجتماعية.. بينما الرجل يتميز بقدرته الفائقة على الأعمال التي تتطلب تركيزاً محدداً مثل القيادة والتحكم.

ثم يخلص هذا الفريق إلى   أن العلماء متفقون على أن الذكر ليس كالأنثى.. وقضية الشهادة هي قضية خطيرة تتعلق بمصير البشر ويمكن أن تؤدي الشهادة الخاطئة إلى إضرار بمصالح الناس وبما أن المرأة تستخدم عاطفتها أثناء التذكر، وبما أن المرأة تعاني من مشاكل في الذاكرة بعد سن اليأس.

والشئ اللافت والعجيب أن كثرة الحديث عن الاعجاز العلمى قد فاقت حدود العقل وكأن النص الدينى قد جاء لغير هداية البشر ولكى يقدم لنا دروسًا فى علوم الطبيعة والكيمياء والفلك والطب.
والشئ المحزن هو أن هؤلاء ينسبون هذه الأقاويل وغيرها إلى جامعات دول تتبوئ فيها المرأة أعلى درجات السلم الوظيفى من وزيرة إلى سفيرة إلى رئيسة وزراء إلى رئيسه مجلس الشيوخ وغيرها بل إن هذه الجامعة التى ينسبون اليها أنها أخرجت حقيقة علمية على أن المرأة لا تستحق إلا نصف شهادة الرجل قد أُسندت رئاستها إلى امرأة!

(رأى الدكتورة نوال السعداوى)


وهنا يجدر بى وطالما طرحت هذا الرأى أن أعرض لرأى مقابل هو رأى الدكتورة نوال السعداوى حيث تقول فى شأن شهادة المرأة الآتى:
" جاء فى الإسلام أن شهادة الرجل تقابلها شهادة امرأتين،  فهل إذا تعلمت المرأة وأصبحت وزيرة مثلا أو طبيبة أو أستاذة بالجامعة فهل تظل على أن تدلى بشهادتها وحدها فى الوقت الذى يفعل ذلك أى رجل وإن كان أميا لا يعرف القراءة ولا الكتابة؟"

والحقيقة أنه تساؤل بسيط لكنه يطرح قضية كبرى هى ولاية المرأة فى الإسلام وعما إذا كانت أهل لها أم لا ولعل أهليتها للشهادة تعد إحدى إشكاليات  تلك القضية إلى جانب مفهوم القوامة وصلاحيتها لتقلد منصب القضاء وغيرها.

( رأى الشيخ محمود شلتوت)


ولم يكن هذا الرأى المنادى بمساواة المرأة بالرجل فى الشهادة ليغيب عن الفكر الإسلامى المستنير الذى يمثله طليعة من المفكرين الذين لم يكتفوا بقراءة ظاهر النص بل نظروا إلى جوهره وغايته.
فهذا هو الشيخ محمود شلتوت شيخ الأزهر الأسبق يطالب بهذه المساواة، مستنداً على أن القرآن الكريم الذى ساوى بين الرجل والمرأة فى شهادة اللعان، فكيف لا يساوى بينهما فى القضاء الذى يقوم حكمه فى الأساس على البينة وليس الشهادة.

( الشهادة والإشهاد)


هنا تبرز على السطح قضية التفسير كما قدمنا ولعلها فى نظرنا هى السبيل الوحيد للخروج من إشكاليات كثيرة تتعلق بولاية المرأة وغيرها من المسائل.
هذا التفسير هو الذى حمل البعض على أن يقول أن هناك فارقًا بين " الشهادة " وبين " الإشهاد " الذى تتحدث عنه الآية الكريمة فالشهادة التى يعتمد عليها القضاء فى اكتشاف العدل المؤسس على البينة ، واستخلاصه من ثنايا دعاوى الخصوم ، لا تتخذ من الذكورة أو الأنوثة معيارا لصدقها أو كذبها ، ومن ثم قبولها أو رفضها.. وإنما معيارها تحقق اطمئنان القاضى لصدق الشهادة بصرف النظرعن جنس الشاهد ، ذكرا كان أو أنثى ،  واحد أو امرأة واحدة.. ولا أثر للذكورة أو الأنوثة فى الشهادة التى يحكم القضاء بناءً على ما تقدمه له من البينات..

أما " الإشهاد " الذى يقوم به صاحب الدين للاستيثاق من الحفاظ على دَيْنه ، وليس عن " الشهادة " التى يعتمد عليها القاضى فى حكمه بين المتنازعين.. فهذه الآية  موجهة لصاحب الحق فى الدين وليس إلى القاضى الحاكم فى النزاع.. بل إن هذه الآية لا تتوجه إلى كل صاحب حق دين ولا تشترط ما اشترطت من مستويات الإشهاد وعدد الشهود فى كل حالات الدين.. وإنما توجهت بالنصح والإرشاد فقط النصح والإرشاد إلى دائن خاص ، وفى حالات خاصة من الديون ، لها ملابسات خاصة نصت عليها الآية.. فهو دين إلى أجل مسمى.. ولابد من كتابته. وهو تفسير ربما يسير نحو الاتجاه الصحيح لكنه يظل فى رأينا غير كاف لأنه رغم أنه حاول الخروج عن إشكالية المعنى الظاهرى للنص إلا أنه لم ينجح فى أن يمحو كل أثر لتفرقة بين الرجل والمرأة فى هذا المجال وسواء كان الأمر شهادة أم إشهاد.

(أسباب النزول ورأينا الشخصى)


والرأى عندى أن النص السابق يجب ألا يُفسر بعيدًا عن البيئة التى نزلت بها الآيات وأسباب نزولها كما قال الإمام الأسيوطى نفسه حسبما قدمنا.
لقد كانت المرأة عند ظهور الإسلام مخلوقًا أدنى منزلة من الرجل ولعل ذلك أثرًا ظل باقيًا من عصور سحيقة كانت المرأة تعد  تجسيدًا للشر والشيطان منذ أن رأى العالم أنها ارتكبت خطيئة غواية آدم وترتب عليه هبوطهما من الجنة وما بين "حزام العفة" الحديدى الذى كان يغلق على منطقة عفتها عندما كان الأزواج يتركون زوجاتهم وحيدات من أجل أعمال التجارة التى كانت تتطلب سفرًا بعيدًا وما بين وأْدها وهى طفلة على قيد الحياة إذا بُشر أحدهم بميلادها خرجت المرأة إلى نور الحياة بعدما كرمها الإسلام وتناولت آياته معان عدة يبدو منها بجلاء مكانتها وقدرها كأم وكزوجة وكإنسانة بوجه عام.
 ولأن خروج المرأة إلى الحياة سبقته عصور طويلة من الظلم الذى تعرضت له حتى أنها ظلت قرونًا من الزمان كبش فداء لكل آثم وخطايا الرجال.
ومن ثم فكان لا بد أن يكون إقترابها من خضم الشهادة بشأن المسائل المالية والتجارية وهى من المسائل التى لم تعهدها المرأة أبدًا ، إقترابًا حذرًا ليس بسبب ضعف ذاكرتها أو نقص فى عظام جمجمتها أو قصور فى امكانات ملكاتها العقلية كما يزعم فريق التفسير العلمى لكن لقلة خبرتها بهذه المسائل فى تلك المرحلة الزمنية ومن ثم يصبح حكم هذه الآية قاصر على أسباب نزولها بما كانت تقتضيه ظروف حال المرأة فى تلك الآونة على نحو ما أوضحنا أما الآن وقد تغير الأمر وأصبح للمرأة هذه المكانة العظيمة فى العالم فليس من المعقول أن تكتفى بنصف شهادتها فى شأن المسائل المالية أو التجارية والتحجج بأن ذلك من قبيل الإشهاد لأن العلة من هذا الحكم الذى جاءت به الآية قد انتفت.

هذا هو السبيل الوحيد فى نظرنا للخروج من تلك الإشكالية وغيرها وأريد أن أنوه هنا أن قانون الإثبات المصرى لا تعرف نصوصه أية تفرقة بين شهادة الرجل وشهادة المرأة وأن قانون الإجراءات الجنائية ومن قبله قانون المرافعات المدنية باعتباره القانون الإجرائى الأم لا يعرفان تلك التفرقة وأن أى قرار قضائى يخالف ذلك سيكون موصومًا حتمًا بالبطلان الدستورى حيث جاء الدستور بالمساواة بين الرجل والمرأة فى الحقوق والواجبات دون تفرقة بينها على أساس الجنس.
نحن بحاجة ماسة لوضع تفسيرات جديدة للنصوص تتماشى مع متغيرات العصر فهذا أمر لا يقل شئنًا عن دعاوى التجديد بل هو أعظم شأنًا منها.
نحن بحاجة ماسة لإعطاء النصوص معنًا يتفق وجلالها وهو أمر قد لا يتسنى لنا من ظاهرها ويحتاج الأمر إلى تدقيق وتأمل وتدبر ثم لا ننحى أبدًا أسباب النزول ونحن بصدد ذلك.
هذا هو فى رأينا السبيل الأمثل لكى نحرر أنفسنا من قيود الغلق والإنغلاق حيث لا مكان لهما وسط عالم فسيح رحب لن يقبل تحت سمائه إلا هؤلاء الذين تحرروا من أغلال عقولهم.


#نحو_فكر_مستنير
#فنجان_قهوة

الوسوم:

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

إعلان في أسفل التدوينة

إتصل بنا

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *