جاري تحميل ... الأهرام نيوز

رئيس التحرير: محمد عبدالعظيم عليوة

مدير التحرير: د.مجدي مرعي

رئيس التحرير التنفيذي: عبدالحليم محمد

نائب رئيس التحرير: د.الحسن العزاوي

أخبار عاجلة

إعلان في أعلي التدوينة

مقالات

المستشار سامح عبد الله يكتب القيامة الأولى..!



فنجان قهوة 


لقد ضَربنا الوباء أيها السادة.

ضَربنا جزيئ من خلية لا تُرى بالعين المجردة.

أُوقفت حركة الطائرات فى السماء التى كانت تجوبها فى عنفوان وباتت المرافئ مثل مقبرة مخيفة لا حياة فيها بعدما قبعت البواخر كأجساد هامدة وقد كانت تشق البحار والمحيطات

.
صمت كل شئ ولم يبرز إلا صوت الفزع.
سكن الخوف قلوبنا وتحكمت فينا غريزة الحياة كحقيقة ربما كانت فى بعض الأحيان مُذِلة.
كل شئ سكن لم يستثن الوباء شيئًا. لقد أراد أن يلقنا الدرس الأخير فجاء الدرس قاسيًا مثل قسوة رُؤى الموت.

كل الذين علمونا القداسة فروا هاربين من ساحاتها.
باتت ساحة الحرم خاوية ولم يبق فى أرجاء الفاتيكان الواسعة سوى مقاعد شاغرة.
لا أحد الآن فى حاجة إلى سماع خطاب شيخ أو عظة قسيس.
لا أحد الآن يفكر فى القداسة. الجميع يتشبثون بالحياة بكل بوسائل الحياة.

اليوم نعيد قول المسيح أعطوا ما لله لله وما لقيصر لقيصر.
اليوم نغير صيغة الآذان الذى طالما صدح حىَّ الصلاة فصارت الصلاة فى بيوتكم أو الصلاة فى رحالكم.
بدأنا نتكلم للمرة الأولى عن التناول كيف يكون وسط هذه الأجواء.
باتت غرف الاعتراف المظلمة بلا كهان وبلا خطاة.
لا أحد يتكلم عن خطاياه وليس بمقدور كاهن أن يظل قابعًا يستمع إلى حماقات أحد.
لن تجد منذ الآن من يتزاحم على أن يحظى بصلاة فى الروضة الشريفة ولن تجد أثًرا لهؤلاء الذين يتمسحون فى الحجر الأسود.
لن تشاهد الشيعة وهو يلطمون الوجوه ويجلدون ظهورهم بالسياط لأنهم وقتها لن يتذكروا الحسين سيكونون مشغولون بالبحث عن نجاة حتى ولو كان الثمن هو ألف حسين.
سيتوقف اليهود عن البكاء عند حائط المبكى وسيكفون عن البحث عن هيكل سليمان. ولن نسمع حديثًا عن المسجد الأقصى
هنالك ستكون القبلة الوحيدة هى قبلة البحث عن الحياة.

ستُوصد أبواب كنيسة المهد إلى أجل غير مسمى ولن تكون مأوى المطرودين والمعذبين.
لن يسأل أحد عن زيوت مريم المقدسة. ستبيت كل قِنان الزيت دون أن يقربها أحد لأننا سنكون مشغولون بالبحث عن سائل آخر نحمى به جلودنا من أن تخترقها خلية جرثومية.

كل الأماكن ستُغلق لكن ستبقى صومعة العالِم موقودة بنور العلم وسننتظر جميعًا الدواء الذى يقدمه لنا ولن نسأل حينها عن معتقده أو دينه.
ستُنسينا غريزة الحياة هذا السؤال.
سيعود "اينشتاين" لكى يعلمنا كيف يكون الإيمان الذى يحبه الله سننصت له عندما يقول: " إنى أُدين بالتبجيل كله لتلك القدرة العجيبة التى تكشف عن نفسها فى ضآلة جزىء من جزئيات الكون"!
وستقفز كلمات " ألفريد كاستلر" الحائز على جائزة نوبيل فى الفيزياء إلى ذاكرتنا عندما يقول: "إننا كلما أوغلنا فى دراسة المادة أدركنا أننا لم نعرف عنها شيئًا ... فسوف يظل دائمًا شىء فيها مخفيًا عنا" فلما سألوه: مخفى بمن" أجاب: بالله!
وسنكون مرغمون على أن نعطى تفسيرًا آخر للآية الكريمة من سورة فاطر عندما بجلت العلم والعلماء بقولها: " إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ "

سنعيد ذاكرة الطبيب الصينى الذى كان أول من حذر العالم من الوباء عندما عكف على دراسته لما أحس أن شيئًا غير معتاد يداهم جسده.
لقد قدم لنا طوق النجاة ثم رحل فى صمت دون ضجيج ودون صلوات.

سننتظر بكل غرائزنا النتائج التجريبية للمصل الذى توصل إليه العلماء والتى تطوعت
السيدة "جينيفر هالر" المتطوعة الأولى لتجربة اللقاح المعالج للفيروس والتى قالت لنا فى ترنيمة عفوية
" أن تطوعها لهذه المهمة انعكاسا لمسؤوليتها تجاه الإنسانية"
فى تلك اللحظات لن نسأل عن دينها أو معتقدها ولن يثور نقاش حول مصيرها بعد الممات ولن يشغلنا أمر ذراعها العار الذى يتلقى جرعة اللقاح. لن تثور قضية السفور هنا لأننا سنكون مشغولون فيما هو أجدى .. سنكون مشغولون بالبحث عن الحياة.

هُدمت المعابد أيها السادة وصمت طنين الأجراس ولم تعد هناك ترنيمات تتصاعد من وراء جبل الزيتون وتوقف الطواف حول البيت واستراح الشيطان من أزير الجمرات. جفت منابع الفتوى فما عادت تصنع شيئًا.
باتت المنابر خالية لا أحد يصعدها وباتت آذاننا صماء نحو كل كلمة جوفاء.
لقد ضربتنا القيامة الأولى .. أرادت أن تبعثنا من مراقدنا الخرافية وعبثنا الدائم المنظم وثوابتنا التى صنعنا منعا أصنامًا وكان قد حطمها أبانا إبراهيم.

ضربتنا القيامة الأولى أيها السادة ولم نكن نظن يومًا أن سفينة نوح تتصدع وأننا على وشك أن يغرقنا الطوفان.
بات العالم بلا غرور للمرة الأولى وصمت ضجيج الأكاذيب وما عادت هناك قراطيس تُصنع منها صكوك غفران ولم يعد صوت يعلوا على خفقان قلوبنا ونحن ننتظر من يصنع لنا طوق النجاة. لقد أيقظتنا القيامة الأولى بعدما تهاوت كل الجسور التى شيدها هؤلاء الذين زعموا كثيرًا أنهم وسطاء بيننا وبين الله ولن تٌشيد لهم جسورًا بعد اليوم فما قبل القيامة الأولى غير ما بعدها وحتى تخرج علينا الشمس ذات يوم من غير موضعها.
الوسوم:

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

إعلان في أسفل التدوينة

إتصل بنا

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *