جاري تحميل ... الأهرام نيوز

رئيس التحرير: محمد عبدالعظيم عليوة

مدير التحرير: د.مجدي مرعي

رئيس التحرير التنفيذي: عبدالحليم محمد

نائب رئيس التحرير: د.الحسن العزاوي

أخبار عاجلة

إعلان في أعلي التدوينة

مقالات

المستشار سامح عبدالله يكتب..عام الرمادة

"من عبد الله عمر بن الخطاب إلى عمرو بن العاص.. سلام عليك. أما بعد.. أفترانى هالكًا ومن قبلى وتعيش أنت منعما ومن قبلك.. فواغوثاه.. " عام الرمادة. الخبز والزيت.. ( إحدى وستون ) واحتجب المطر واسودت الأرض وتلاشى لونها الأخضر البراق وتحول كل شئ إلى يابسة جرداء. وهنت الإبل وهلك منها الكثير وحملت الرياح ترابا مثل الرماد وأضحت وجوه الناس مكفهرة فى لون رمادٍ عاصفٍ بدا وكأنه لا يرد شيئًا على قيد الحياة. إنه عام الرمادة.. هذا العام الذي حمل أزمة كبرى لدولة عمر كان من الممكن أن تصنع أسبابًا تتصاعد منها نيران الفتة التى يمكن أن تعصف بهذه الدولة العظمى ولعل الأمر قد زاد تعقيدًا إذا علمنا أن عام الرمادة هذا هو ذات العام الذي انتشر به طاعون عمواس وهى بلدة صغيرة بفلسطين وعم بأرجاء الشام. ما هذا الذى يواجه أمير المؤمنين وما هى السبل التى تمكنه من الخروج من الأزمة الطاحنة..! لعل كل الأزمات التى تواجه الأمم عبر التاريخ كانت تطرح هذا التساؤل.. ما هو سبل الخروج منها وما هى الفترة الزمنية التى يستغرقها هذا الخروج؟ وعلينا أن نتخيل كيف يكون حال هذه البقعة الصحراوية من الأرض فيما لو لم تعانقها أمطار السماء لعام كامل حتى ندرك حجم هذا المأساة التى واجهت عمر وأرجاء دولته المتسعة. الخليفة يطوف بالليل كعادته فلا يسمع سوى أنين الناس ولا يرى سوى الخوف عل وجوههم.. كان كل شئ يئن حتى أن الطير قد بات عاجزًا على أن يرتفع بجناحيه إلى السماء وكان الرجل يذبح الشاة فيعافها من قبحها، فما الذي صنعه عمر. كتب إلى عماله على جزيرة العرب بمكة والطائف واليمن وعمان والبحرين وغيرها الآتى: "لا تأخذون زكاة من الناس هذا العام فإذا ارتفع الجدب وخصبت الأرض فلتقتضوها من العام القادم ثم العام الذى يليه ولا تقيمون حد السرقة ما ظلت هذه المجاعة فقد عمت شبهة الضرورة التى يدفع بها الحد حتى تستقيم الأمور ويستغنى الناس فإننا لا نقتضى من الناس ما عليهم حتى نؤدى ما لهم علينا " لم يكن بيت المال ينقصه مال ولكن ماذا تصنع الأموال هنا وأى قوة شراء باتت لها وقد صار كل شيء له قيمة على وشك الهلاك. وكان على الخليفة أن يواجه الأمر بكل ما أوتى من حكمة وبكل ما يمتلكه من آلية الخروج عن المألوف كلما دعت الحاجة إليه وأظن أن هذا هو مدلول عبقرية هذا الرجل التى تفرد بها خلال فترة حكمه. يقول عمر لعماله لا تأخذون زكاة من الناس هذا العام والزكاة فريضة..! ويقول لهم لا تطبقون حد السرقة على الناس هذا العام وحد السرقة واجب..! ولقد عالجنا في حلقة سابقة مسألة الخروج علي النص رغم المعنى الظاهر فيه ورغم القطع الذى يحمله وقلنا أن عمر نظر إلى النص ببصيرته وليس ببصره وأعمل فيه فكره وليس مجرد عقله ثم أصدر قرارا بغير خوف أو تردد وأزعم أنه لو كان غير عمر لقال الناس لقد خرج الرجل عن الدين. وهنا يرسى الرجل معادلة الحكم الرشيد في بضع كلمات.. "فقد عمت شبة الضرورة التى يرفع بها الحد " " فإننا لا نقتضى من الناس حتى نؤدى ما لهم علينا " هي ذات المعادلة التى توصل إليها "جون لوك" في القرن الثامن عشر الميلادي والتى عُرفت بنظرية "العقد الإجتماعى" والتى تقوم علي الحقوق والالتزامات المتبادلة بين الفرد والدولة. ليس هناك نظام حكم رشيد بغير هذه المعادلة التى انتهجها عمر خلال عام الرمادة. صحيح أنه أعلن حالة الطوارئ بمفهوم العصر وصحيح أنه أوقف حد السرقة وعطل فريضة الزكاة وأمر بذبح الإبل التى لم تهلك وتوزيع لحومها بالتساوى على الناس لكن هذا وغيره لم يكن مبعثه ثمة دكتاتورية أو جور على الحقوق أو طغيان مما تسمح به أحيانًا النظم المعاصرة لمواجهة حالة الطوارئ لديها ولكن كان هذا بإدراك حجم المسئولية التى ألقت فوق كاهله ورغبته العارمة فى الخروج بالناس من هذه الأزمة بآليات محددة وقرارات حاسمة. إننا أمام رجل دولة يفكر ويستشير ويقرر..رجل ينظر الى السماء بعدما يكون قد أخذ بكل أسباب الأرض. أرسل إلى عمرو بن العاص يقول لو واغوثاه بعدما قال له أفترانى أهلك ومن قبلى وانت تعيش منعمًا ومن قبلك ويقال أن عمرو بن العاص لما بلغه كتاب أمير المؤمنين قال والله لأرسلن له قافلة من الأرزاق أولها في المدينة وآخرها عندى في مصر في كناية لعظم حجم القافلة المزمع إرسالها إلى المدينة. وأرسل إلي عماله في العراق والشام وسائر الأمصار ولم تختلف اجابتهم عن إجابة عمرو..! لقد أمسك عمر بزمام الأزمة على المستوى العام..أحصى كل المؤمن التى كانت ببيت المال واحصى كل الأبل التى لم تهلك وعطل حد السرقة بشبهة الضرورة وعطل زكاة المال لذات السبب وأرسل إلى كافة الأمصار التابعة لدولته والتى لم تصيبها الرمادة مثل مصر والشام من أجل العون الذى هو لازما عليها بمقتضى وحدة الدولة وفتح كل أبواب المدينة لكل من طلب الغيث والنجدة من القبائل فى صورة سبقت تدفق اللاجئين فى هذا العصر.. كل هذا صنعه عمر بوصفه أمير المؤمنين لكن ما الذي صنعه عمر بعبد الله عمر؟ بينما كان يؤدى صلاة بمنزله دون فرض ينتظره خادمه أسلم ومعه سعف من جزور نحرت للناس وعندما أنهى عمر صلاته وضع خادمه سعف اللحوم أمامه ودار هذا الحوار.. عمر: ما هذا؟! أسلم؛ بضع من لحم جزور نحرت اليوم. عمر: أعلم أنها لحم جزور لكن لمن؟ أسلم: لك يا أمير المؤمنين. عمر: غاضبا.. أو لم تعلم أنى قد أقسمت ألا آكل لحمًا حتى يأكل الناس. أسلم: يا أمير المؤمنين.. هذه مما أكل الناس. عمر: إذن تأتينى أنا بطيبها وتترك لأناس كراديسها..خذ هذا واذهب بها إلى الناس وأتنى بخبز وزيت. أسلم: لقد ابيض وجهك يا أمير المؤمنين من الخبز والزيت. عمر : والله لا أقربها إلا عندما يحيا الناس..! إذا كان الرجل قد قالها هنا فمن يثنيه.. إن الهدف عنده لا ليعيش الناس بل ليحيا الناس وشتان بين العيش والحياة. إنه الحاكم الذى يعرف الفارق بين العيش والحياة. وتدفقت القوافل من كل صوب وحدب نحو المدينة تغيث الناس وبينما الناس تتبع القوافل إذا مناديًا ينادى في الأرجاء.. أمير المؤمنين خارج يستسقى.. أمير المؤمنين خارج يستسقى فيترك الناس القوافل ويزحفون نحن رجل خرج إلى الله بثوب مرقع حافى القدمين طعامه من الخبز والزيت.. تركت الناس القوافل وهرولوا وراء رجل نظر إلى السماء بعدما أخذ بكل أسباب الأرض.. يصلون خلف رجل أخلص فى حب الله فأحبه الله وانهمرت الأمطار التى احتجبت منذ عام..! #_عمر_بن_الخطاب_رؤية_معاصرة
الوسوم:

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

إعلان في أسفل التدوينة

إتصل بنا

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *