حياة مليئة بالمواقف فمن منا لم يصادفه موقف عصيب بحياته ويجد نفسه عاجزًا عن مواجهته؟
من منا قرر نسيان مايؤرقه لكن باءت محاولاته بالفشل واكتشف بنهاية الأمر أن ماقرر نسيانه ظل قابعًا بذاكرته؟
من منا لم يخذل ممن حوله وباتت حياته مريرة من شدة الألم الذي أصابه؟
وهنا كان لابد من إيجاد طريقة لتجاوز كل هذه المواقف والظروف بل والأشخاص أيضًا ولكي نستطيع التجاوز كان لابد من اكتساب مهارة أقوى من التجاوز وهي(الاستغناء).
والاستغناء هو تلك القوة التي تجعلنا قادرون على تخطي أي صعوبات قد تواجهنا فهي خطوة سابقة للتجاوز.
والاستغناء ثقافة هامة جدًا بنظري هو درة الثقافات ولايمكننا إتقانه إلا بعد نضوج فكري تام يمتلكه المرء فهو من أهم الثقافات والمهارات التي لابد من أن يتعلمها المرء بل ويتقنها لما يترتب عليها من فوائد عظيمة فهي تساعده على تجاوز كل ماهو مؤذي له بل وتخلق منه شخصًا آخر شخصًا فريدًا من نوعه مكتفيًا بذاته عن كل شيء ناضجًا يمتلك قناعة رهيبة بما لديه وتغاضي عما لا يملكه عن رضا واقتناع ونتيجة لذلك يصبح الإنسان راضيًا بما قسمه الله له فيصبح مميزًا عن غيره مرنًا في تفكيره وشعوره . تلك المرونة تجعله أكثر تفهمًا لأمور الحياة ومواقفها وأكثر تحكمًا في قراراته.
هل الاستغناء يعد هروبًا؟
هناك من يتهم الاستغناء بأنه وجه آخر للهروب والعجز فعندما يعجز المرء عن مواجهة مشكلة أو موقف ما يدعي أن لديه ثقافة الاستغناء وأنه مستغني بها عن كل شيء لكنها في حقيقة الأمر ماهي إلا ترفع عن كل ماهو ليس مهمًا فلا شيء أسوء من أن يكون المرء منقادًا لرغباته ونزواته دون توجه صحيح.
الاستغناء والحرية :
هناك علاقة قوية بين الاستغناء والحرية فكلما زاد استغناء الشخص زادت حريته
فالاستغناء يجعل قدرة الامتلاك في قبضة يد الشخص المستغني فيمتلك ولا يُمتلك أبدًا وذلك لأن كل قرارته وآراؤه تنبع من فكره الناضج الحاسم غير الخاضع لأي أحد فهو مستغني عن أي شيء.
تنمية مهارة الاستغناء :
الاستغناء مهارة هامة لابد من تنميتها باستمرار ويكون ذلك عن طريق تحطيم العادات غير السوية :
أولًا:
لابد أن يتخلص منها العقل أولًا قبل الجسد ذلك لأن العقل هو الأساس في الإقناع أما الجسد فماهو إلا وسيلة لتحقيق الرغبات فقط.
مدة القضاء على العادات السيئة تتوقف على مدى استعداد الشخص فكلما كان استعداده أكبر كان القضاء على تلك العادات أسرع.
ثانيًا:
لابد من إيجاد بدائل تحل محل تلك العادات السيئة وكأننا ننشيء أدمغة جديدة بأفكار جديدة تستطيع مواجهة المواقف بشكل مختلف يتوافق مع مهارة الاستغناء
ثالثًا:
نحاول تغيير المحيط الذي نعيش فيه مما يساعد في التخلص من العادات السيئة وتغيير طريقة التفكير فيها.
والاستغناء يكون عادة عن كل ماهو مؤذي من عادات كالتدخين فعندما ينجح الشخص في امتلاك مهارة الاستغناء سيكون من السهل عليه الإقلاع عن التدخين .
وبالاستغناء يستطيع الإنسان مساعدة نفسه عن الإقلاع ليس عن العادات فقط بل عن الأشخاص فمثلا عند إقلاعه عن التدخين لابد له أن يستغنى عن الأشخاص المدخنين الذين يتواجدون حوله فيبتعد عنهم قدر الإمكان.
الاستغناء الأهم:
أهم استغناء هو الاستغناء عن كل ماحرمه الله عزَّوجل وذلك يكون بأن نشغل أنفسنا وأذهاننا بشيء نحبه كالقراءة أو الرياضة وكذلك التعود على حب الخير للجميع والاستغناء عن كل مايؤذي الغير.
الاستغناء بالله:
من يستغنِ بالله يغنيه الله تمام الغنى والاستغناء بالله يعني طلب العون من الله دون غيره فيغنيه الله سؤال الناس والذل له ويجعله لا ينكسر إلا له فقط.
عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال:”جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال:يا محمد عش ما شئت فإنك ميت واعمل ماشئت فإنك مجزى به وأحبب من شئت فإنك مفارقه واعلم أن شرف المؤمن قيام الليل وعزه استغناؤه عن الناس”.
إذن شرف المؤمن في هذه المهارة مهارة الاستغناء فمن الجميل الاستغناء بالله لأن فيه تعلق بالخالق عن المخلوق وليس الاستغناء عن الله لأن فيه تعلق بالمخلوق عن الخالق وهذا أمر مرفوض لأن كل شيء بيد الله عز وجل.
فلنتخذ من ثقافة الاستغناء منهجًا في حياتنا فهي سمة قوية ودليل واضح على نضوج الشخص فالاستغناء كنز الثقافات ..الاستغناء هو الكنز الحقيقي الذي لا يفنى.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق