جاري تحميل ... الأهرام نيوز

رئيس التحرير: محمد عبدالعظيم عليوة

مدير التحرير: د.مجدي مرعي

رئيس التحرير التنفيذي: عبدالحليم محمد

نائب رئيس التحرير: د.الحسن العزاوي

أخبار عاجلة

إعلان في أعلي التدوينة

مقالات

المستشار سامح عبد الله يكتب فلنتعلم من المأساة أو لنخجل منها..!



لا يكف صديقى كلما جاءت مناسبة  تُذكر فيها أخلاق قادمة إلينا من الغرب حتى ينبرى يقول: انظروا إنه إسلام بلا مسلمين!
وأنا أزعم أننى قرأت للشيخ محمد عبده ليس القليل

ولم أجد فيما قرأت أصل لتلك المقولة التى أصبحت رتيبة مملة غير مقنعة ،نرددها دون وعى أو تبصر حتى أنها أضحت جاهزة الانطلاق  فوق الألسنة و تلقائيا كلما أبهرنا شئ من أخلاق الغرب وكأننا جعلنا من الأخلاق حكراً لنا ، فنحن معيارها ونحن مقياسها ومبدأها ومنتهاها وأما العالم بأثره فعليه أن يدور فى فلكنا نحن... فى مجراتنا نحن وهو شئ لم يعد معقول التصور وسط عالم يعيش فعلياً فى حضارة الغرب ونحن أول من يمد يديه إليها.

والصحيح أن الأخلاق ليس لها نبع وحيد وليس لها مصدر رسمى وليس لها نسب أو أصل لكنها نتاج مكونات كثيرة قد يدخل الدين فيها أو لا.
تلك هى الحقيقة التى لا نريد أن نصدقها مثل أشياء كثيرة بتنا لا نريد أن نصدم أنفسنا بتصديقها ولا نتردد فى أن نلفظها ثم نعود لننعم بغفوتنا الهادئة المطمئنة.

فى جريمة مسجد نيوزليندا وقفت سيدة من غير أن تقصد تعطينا دروساً  فى الأخلاق دون أن نعرف أصلها وعرقها ومعتقدها وحتى دون أن نعرف ما إذا كانت مؤمنة أم لا!..
كل هذا لا نعلمه ولم يكن من الضرورى أن نعلمه فقد كان حضور السيدة يختزل كل تساؤل بشأن أى تصنيف عرقى أو دينى أو طبقى.
هكذا هو معنى الحضور الحقيقى.
أن تحضر بتأثيرك وذاتك وانسانيتك ثم لا تحتاج أن تعلن بعدها ما هو أصلك أو معتقدك.
إنه باختصار المعنى الحقيقى لأن تكون حاضرا.
ولم يكن حضور السيدة تعبيراً عن لحظة انفعال سرعان ما يمتزج بالأثير ثم يتلاشى بعيداً عن الذاكرة لكنه كان الحضور الواع الذى يبقى محفورا فى الذاكرة.

لقد عبرت السيدة عن دستور حقيقى للإنسان يرسخ للحرية منذ أن سمحت بلادها أن تحتضن لاجئين فوق أرضها وهو تعبير عن حق الحياة إلى شيدت المساجد فوقها وهو تعبير عن حرية المعتقد إلى أن اتخذت خطوات حاسمة عقب الحادث حتى أنها  تصف يوم الخامس عشر من مارس وهو اليوم الذى أُرتكبت فيه المذبحة البشعة أنه اليوم الذى لن تتغير معه قوانين البلاد فحسب ، بل اليوم الذى ستتغير فيه الحياة بأثرها فى البلاد، إنه اليوم الذى يُسطر فيه تاريخ جديد للبلاد..!
وبالفعل فقد تغيرت الحياة فى هذه البلاد الهادئة التى استيقظت على صوت المأساة.

لم تجد البلاد حرجاً فى أن تحول كل ساحتها إلى مسجد كبير.
ولم يزعج آذان شعبها صوت الآذان الرخيم.
ولم تتحرج السيدة أن تخاطب العالم كله وهى ترتدى الحجاب بقولها بالعربية " السلام عليكم
ولم تتردد فى أن تبدأ كلماتها بحديث للرسول يحض على الود والرحمة.
ولم يجد البرلمان غضاضة فى أن يبدأ أعمال جلسته بآيات من القرآن الكريم.
كل هذا يدور أيها السادة فى ظل دولة علمانية، دستورها يفصل بين الدين والدولة لكن رغم ذلك فقد قام فى هذه البلاد الدين والدولة ويالها من معادلة لم ندركها ونحن نتشدق ليل نهار بأن لا انفصام بين الدين والدولة بينما أدركها هؤلاء الذين يفصل دستورها بينهما.
لأننا اعتدنا أن نرى الشكل دون الجوهر. والشكل دائماً فوق السطح لا يحتاج أكثر من البصر لكى يدركه بينما الجوهر شئ فى الأعماق لا تدركه إلا البصيرة وشتان بين هذا وذاك.
أى مثال عظيم هذا قدمته السيدة الينا وأى برهان هذا على أنه ليس للأخلاق مصدر..!
كان يوماً مأسوياً حقاً لكنه رغم ذلك كان مناسبة عظيمة تعطينا حقائق تجاهلناها طويلاً وأدرنا لها وجوهنا كثيراً فصفعتنا الحقائق فى ظهورنا ربما استفقنا من غفوة أهل الكهف تلك التى طال فيها رقادنا ولم نعد قادرين على أن نبعث أحدنا بورقنا يبتاع لنا طوق نجاة من هذا الثبات.

إن صفحات التاريخ تعطينا دوماً دروساً كى تعلمنا، والويل كل اليوم لأمة يفوتها الدرس الأخير لأنها ستظل قابعة فى مأساة الركود ثم يأخذها ركودها هذا إلى الاضمحلال تماماً مثلما يأخد الماء الساكن دون حركة فيصير راكداً ضحلاً بفعل الزمن.
تخلصوا من تلك المقولة التى لم يقولها أحد مفكرى القرن العشرين الأفذاذ والذى نادى بالحداثة والتجديد فى وقت كانت المخاطر تحيط بكل من يقترب من هذين المعنيين.
تخلصوا من ميراث عقيم ينعت كل المخالفين فى العقائد بالمروق ثم لا يلبث أن ينعت سلوكهم المبهر بالإسلام الذى بلا مسلمين ونحن نجهل وكأننا وحدنا فوق مسرح هذه الحياة.

أعود للسيدة (الغير مسلمة) وأقول لها بملئ الفم: ياسيدتى لقد تعلمت منك أكثر.
وترسخت فى داخلى من أخلاقك وأصبحت أكثر تشبثاً بما أؤمن فخوراً بما لدى من ثوابت منفتحاً لكل ما يأتينى من الآخر ولن أسأل يوماً عن معتقد أو مذهب ولن أنظر يوماً إلى لون أو جنس أو لغة ولن أرددها يوماً ..."إسلام بلا مسلمين"
الوسوم:

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

إعلان في أسفل التدوينة

إتصل بنا

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *